الأحد، 20 يوليو 2014

صوت من الماضي: القدر، الأحجية الكبرى

ملاحظة: هذه المراجعة لن تفسد عليك مشاهدة الفيلم.
 
فيلم صوت من الماضي
 

صوت من الماضي الفيلم الذي شاهدته في سن مبكرة وفتح عيني على أحجية كبرى، القدر!!
ماذا لو اطّلعتَ على قدرك؟ وعرفت ما سيجري عليك من أمور مستقبلية؟ ليس هذا فحسب بل حتى موعد مماتك!!؟
ليلة عاصفة شديدة المطر تلك التي شهدت الذكرى الأولى لرحيل والدته، جاهلاً وجهته خرج الطفل حمدي بمفرده، أخذ يخوض في الطين يتعثر وينهض، استوقفه منزل يراه لأول مرة بجانب شجرة يابسة، النور الذي بزغ من نافذته جذبه نحوها، رأى امرأة تجلس على كرسي مديرة ظهرها في ثوب طويل كامل البياض أشبه ما يكون بالكفن، طرق النافذة فتوجه كلاهما للباب، حالت الظلمة بين أن يرى أحدهما الآخر، لكن حالما رفعت المصباح لمستوى وجهها كانت المفاجأة، صرخ حمدي "ماما، ماما" 
بدا أنها لم تعرفه لكن برودة الطقس في الخارج جعلتها تدعوه للمدفأة التي وجد صورته عليها!!
أخبرته أنها صورة ابنها الذي مات في عز شبابه في عيد ميلاده الخامس والعشرين في تمام الساعة الثانية عشرة منتصف الليل.
رغم أنه تعرض لحادث قطار في الثالثة والعشرين من عمره ونجا منه.
أما عن صورة أخته سميرة، قالت تلك ابنتي التي توفيت ليلة زفافها من ضابط شرطة.
سرعان ما اختفت، صعد السلم بسرعة يصرخ "ماما، ماما" سقط فإذا به ملقى على الطين من جديد!!
تمضي الأحداث و يبقى السؤال هل تتحقق النبوءة؟

فيلم صوت من الماضي أمينة رزق
 
 
الفيلم أنتج في العام ١٩٥٦ من إخراج عاطف سالم، يعتبر بداية تحول في تاريخ السينما المصرية لهذا النوع من الأفلام المحفوفة بالغموض وتحمل رؤى مختلفة عن المعتاد.
القصة مقتبسة في الأصل عن قصة قصيرة ليوسف عز الدين عيسى بعنوان ليلة العاصفة وبالرغم من مشاهدتي إياه مراراً لم أقرأ القصة إلا مؤخراً، برأيي الفيلم تغلّب عليها ليس بسبب الإغداق في التفاصيل ولا الاختلافات البسيطة بينهما بل لأن المخرج و معدي السيناريو والحوار: محمد التابعي وفتحي غانم نجحوا جميعاً في إثراء العمل والإضافة إليه، سأكتفي بالإشارة إلى (المعمل) لمن شاهد أو سيشاهد العمل، هو مستحدث بالكامل ولا وجود له في القصة الأصلية.
كما أن أجمل الوقفات في القصة القصيرة وظفت في إطار فني جميل كمشهد الشطرنج الذي اعتبرته "ماستر سين".

إرجاء دور "حمدي الشاب" لـ أحمد رمزي في محله، رمز الشباب والشقاوة في السينما المصرية يكابد الحيرة بين ممارسة الحياة والتمتع بها وبين التقاعس والاستسلام للقدر.
الحوارات تحوي الكثير من الأسئلة الوجدانية التي تعبّر عن حالة الحيرة المختمرة في نفس حمدي وصراعه الدائم، فلا يكف عن التساؤل ما الفائدة من الحياة والعمل إن كان مصيري الموت؟
"-كل الهيصة دي وحاسس انك لوحدك؟
-ده شعور بيجي لي كل ماشوف الشمس بتغرب
-ده منظر جميل
-فعلاً، لكن بيخوفني بيخليني أسأل نفسي احنا رايحين فين ومصيرنا ايه؟ ياترى زي الشمس اللي محدش عارف مصيرها ايه ورايحة فين؟
-الشمس بتشرق تاني
-لكن الإنسان بيروح فين بعد مايغيب عن الدنيا؟"

القديرة أمينة رزق ظهرت كضيف شرف لأداء دور الأم ولاشك أن أداءها أضاف ما أضاف من الهيبة والرهبة لمجمل الفيلم.
أذكر هنا أن فؤاد الظاهري أبدع في خلق موسيقى تصويرية تتناغم مع حالة الرهبة والغموض تلك.
عبدالوارث عسر (والد حمدي) أقدّر هذا الفنان البارع، يستخدم كافة أدواته الفنية لإشباع العمل، جلي ذلك حتى في نبرات صوته.
فردوس محمد اعتدنا على شغلها دور الأم والدادا، أداء بالغ الحنيّة كالمعتاد.
ظهور جميل للفنانة إيمان في تأدية دور عفاف (فيفي) حبيبة حمدي وصديقته منذ الصغر.

القدر، الأحجية الكبرى.
هذا الفيلم أحد أسباب بحثي عن مفهوم القضاء والقدر إلى أن استكنت لنظرية الدين حول أن القدر لا يخرج عن علم الله سبحانه وتعالى وما من شيء يحصل اعتباطياً دون سبب خاضع لقانون العليّة، كل هذا لا يسلب الإنسان حرية اختياره وتصرّفه، فلكل تصرّف يختاره نتيجة حتمية بناءً عليه، وحتى لو لم يملك الخيار في تحديد نتيجة عمله تماماً فهو بالتأكيد يملك الخيار في التصرّف المؤدي لها في المقام الأول.
أما اعتبار الإنسان دمية تسيّرها الأقدار ولا يد له فيها فهي رؤية قاصرة ومغلوطة تؤدي للتقاعس والاستسلام.
فلا يفترض أحدهم أنّ فشله هو نفس القدر الذي كان سيناله في جميع الأحوال لو اختار الجدّ والعمل، إنما اختياره صنع قدره ولو اختار غير ذلك لصنع قدراً آخر.
رسالة الفيلم عميقة وتفتح أبواب واسعة للتفكير والتأمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق